.: مختبرات الجولدن التقنية :.

الثلاثاء، شباط ٢٨، ٢٠٠٦

حديثي مع "شر البليّة " في مختبراتي التقنية

ما ان دخلت عالمي الإفتراضي ذلك اليوم , حتى هرعت مسرعاً نحو "شرّ البليّة" .. راغبا في التحدث إليه ..
فأشار إلي بأن ابداء حديثي معه ,إذ ان شر البلية ما يضحك ..!
..
قلت له: اتدري لماذا أتيت إليك ؟
فقال لي :كلا , هل لك ان تخبرني !!؟ فأنا اكره الحزازير جدا! ..
فقلت له :أما انا , فماكرهت شيئاً في حياتي قط , كما كرهت الأنصاف من الأعداد !

قال لي : غريبٌ شأنك يا صاحبي , كيف يكون لللانسان ان يكره شيئاً مجرداً ؟؟



قلت : ليس الامر كما فهمت ..فإنما انا اكره من الاعداد معدوداتها , فمثلا :
أنا اكره أنصاف الرجال , و أنصاف الفقهاء , و أنصاف الحلول , و أنصاف النساء , , انصاف المتعلمين
و ما شئت من انصاف ..

قال :و كيف ذلك ايها الجولدن ؟

قلت: إن الاشياء عموما تُرى في الطبيعة على حالة من اثنتين :
حالة الكمال النسبي , و حالة النقص .

فأما حالة الكمال النسبي ( وأقول نسبيي لانو الكمال لله وحده ) فهي من جهة العدد بالعدد الصحيح الذي لا كسر معه .. و لا هو بالكسر .
و تتمثل من جهة المعدود بقولنا :
هذا رجل , هذه امرأة , هذا حل , هذا فقيه .. وهكذا ..

و أمّا حالة النقص : فتتمثل من جهة العدد بالكسور , ولعل اشهرها او أكثر ما يُعبّر عنها هو "الأنصاف"
حيث قرأت عنهم في كتاب لابراهيم عاصي , و تتمثل من جهة المعدود بقولنا :
هذا نصف رجل , هذه نصف امرأة , هذا نصف فقيه , او نصف حل , أو نصف مسلم ... الخ ..

قال : وما علاقة الكراهية بهذه المشاعر التي كلمتني عنها ؟

قلت : علاقة وثيقة .. إذ أن انصاف الاشياء تحمل في طياتها جميع عوام التناقض و النقص , مما يجعل التعامل
معها في منتهى الصعوبة , فضلا عن انها السوس الازلي الذي ينخر في الامم فيفسدها ..
و في كيان الحضارات فيمحوها .

قال : كأني ارى بك قد صرت متفلسفاً ايها الجولدن , فهل لك ان تزيدني وضوحا ؟
هل لك ان تحدثني عن بعض هذه الانصاف ؟ فمتثل لي مثلا : كيف يكون نصف رجل او نصف امرأة ؟

قلت : لقد حدثتك عنهم سابقا , انه الموضوع الموجود في تلك الزاوية منك ايها القسم
(و اشرت اليه الى موضوع ) :
- جـيـل حـلـيـب الـنـيـدو -


قال (و بعد ان تذكره): حسنا ً , لما لا تخبرني اذا عن انصاف الفقهاء مثلا ؟

قلت :يكون الفقيه يا عزيزي نصف فقيه , عندما يكون ناقص العلم و الفهم , تحصيله هو
بضع عبارات لا يفتأ يلوكها في حنكه حيثما جلس واعظاً , او يترنم و يتفهمن بها اينمى اعتلى خطيبا ً .
كل رأس ماله مظهرٌ مايزال يصقل به , و هندام لا ينفك يعدّل به .


قال :رائع , لكنك لم تخبرني عن انصاف الفقهاء .

قلت : يكون الحل نصف حل عندما لا تُحسم الأمور حسماً قاطعاً , و عندما يظل للفتنة أذرع ورؤوس ,
و عندما تكون مهمة القاضي هي تطييب خاطر المظلوم و ليس الأخذ على يد الظالم .

قال : لقد زدتني شوقاً ايها الجولدن , حدثني اكثر عن هؤلاء ..

قلت : الانصاف كُثر , لا عدد لهم في زماننا هذا , فهم اكثر من ان يكونوا معدودين لنا ,لكن ..
دعني احدثك عن اكثر الانصاف خطرا ً ..
هم الذي جمعهم احد الحكماء القدامى و قد نسيت اسمه , اذذ قال :

أربعة أنصاف , فيها هلاك للعباد :
أنصاف الأطباء لأنهم يتلفون الأبدان .
و أنصاف الفقهاء لأنهم يزيّفون الأديان .
و أنصاف المسلمين لأنهم يستلّون الإيمان .
و أنصاف الحكام لأنهم يفرّطون بالأوطان ..


قال : لا حاجة لك بأن تخبرني عن انصاف الفقهاء , فقد حدثتني عنهم منذ قليل , لكن .. هل لك ان تخبرني عن انصاف الاطباء مثلا ؟ أو انصاف المسلمين ؟ أو انصاف الحكماء ؟

قلت : لعلّك تعلم اننا في زمان حتّى الديمقراطية باتت فيه نصفا ً ايضا ! ..
لذا ارجو منك ان تطلب مني ان احدثك عن احداهم فقط , فأنا لازلت شاباً و اريد الاستمرار,
ولا أريد لمختبراتي التقنية الدمار .. و لا اريد أن ارى ما لاتُحمد عقباه ..

قال : لا عليك .. فقد فهمت تماماً ما تعني , و لعلّي أكون شاكراً لك إن اخبرتني عن انصاف الأطباء
فهؤلاء لم اسمع عنهم قط !


قلت : أنصاف الأطباء , هؤلاء الذين تظنهم ملائكة يرتون تلك الستر البيض , الذين لا يعملون
بما أقسموا عليه في - شرف المهنة - , فهم يظنون ان الطب احد افرع التجارة الحرّة .
فيتواطئ الطبيب مع صيدلاني معين , فلا يوجه مرضاه إلا اليه , و لا يكتب لهم في الوصفات الطبية
إلا الادوية التي يملكها ذلك الصيدلاني , لقاء عمولة معينة على كل مريض او نسبة من الارباح !
أو - لا يكتب للمريض إلا اصنافاً من العقاقير التي تملكها شركة دوئية معينة , حتى و لو كان الميرض مصاباً بوالام الرأس
و الشركة لا تملك إلا ادوية للباسور و مشتقات الالم الجهاز الهضمي !
ايضا لقاء راتب شهري او نسبة معينة من الارباح .


قال : لا تخف , فلن اسألك عن مزيد من الأنصاف , فقد كوّنت فكرة عميقة عنهم , و قد شعرت تماما
بشعورك و بكرهك اتجاههم , بل و كرهتهم اكثر مما كنت تكرههم , لذا دعني اقول لك جزاك لله كل الخير , و تصبح على خير .